الأداة والخامة غير التقليدية في التصوير الحديث
مروة محمد زكي بستان الأسكندرية الفنون الجميلة التصوير ماجستير 2008
"إن الأداة هي الوسيلة التي يمارس بها الفنان التشكيلي عمله الفني من خلال الخامة ويحقق بها رؤيته الفنية وهي الجسر الموصل بين عاطفة وفكر الفنان وبين سطح العمل الفني التشكيلي من خلال قدراته التعبيرية .
فعندما يدور في خلد الفنان التشكيلي فكرة أو يراوده حلمً فقد تتحرك لديه قدرات جياشه تنطلق من خلال الأداة والوسائط المادية المختلفة ليتحقق العمل الفني الإبداعي .
لقد تطورت الأدوات التي يستخدمها الفنان منذ فجر التاريخ حتى الأن تطورآ مذهلآ فدائمآ ما يأتى من يطور فيها وهو التطوير الذى يضيف الى امكانية هذه الأداة ويرفع من قدراتها ويضعها أمام كل المبدعين كإمكانية جديدة لهذه الآله أو الأداة وهو ما نسميه الأستخدامات غير التقليدية ، فنحن في هذا البحث نقف أمام نقاط الأختلاف والتحول ونحللها ونضعها أمامنا كطفرات وملامح تجديد فى المعطى التكنولوجى للوحة التصويرية ، وهو ما يؤدى الى مزيد من الإمكانات التعبيريه للفنان ليمتزج بعالمه ودنياه الخاصة ،لأنه لا يرتضي بالعطاء التقليدى للخامة أمام رغبته في التعبير عن مكنونات نفسه على إتساعها ، فهناك علاقة أخذ وعطاء مستمر ومتبادل بين الفنان بحاجته التعبيرية ، وبين الخامة و الأداة بإمكاناتهما المتعددة .
لقد اتخذت الأداة رحلتها عبر مراحل التاريخ وحقب الزمان البعيدة إلى الآن فتعددت أشكالها وأختلفت أساليب وأوجه استخداماتها ، فأحيانا نجدها أصابع الأيدي وأحيانا أخرى نجدها عظاماً مجوفة تستخدم في رش اللون ، وأحياناً نجدها فرشاة أو ريشة طائر أو اسفنج .. وغيرها مما وقعت يد الفنان عليه من الطبيعة وسخرها لخدمة أحلامه .
كما أن الفرشاة لم تستمر كما هى ولم يستخدمها الفنانون بنفس الاستخدام عبر رحلتها الى الأن فقد اختلف أداؤها عبر العصور وكل فنان تناول أداءها بشكل مختلف ، وفجر فيها إمكانات جديدة وطورها ، وأننا يمكن أن نتتبع تناول الفرشاة لنرى الفروق واضحة بين بداياتها حتى الآن لنكتشف أن هناك تطويرا كبيرا مرت به الفرشاة كأحد ادوات التعبير الفني كما انها إتخذت في كل مرحلة شكلا غير تقليديا ، حتى أننا نقف حائرين أمام الطريقة والأداة التي صنع بها الفنان عمله ، ولا زالت الفرشاة كذلك حتى تجرأ الفنان ليضعها كعنصر أساسي في اللوحة التصويرية ، كذلك أنابيب الألوان والأقلام الملونة إلتصقت باللوحة كقيمة تعبيرية جديدة .
إن الأداة المناسبة هي واحدة من الأدوات المصنعة بمقاييس محددة لتتناسب مع الاتجاهات الادائية المختلفة لدى الفنان ، وهنا يقتضي الأمر مناقشة القضية الأهم بين موقف التصنيع وكيفياته ودرجة التطويع التي تميز فناناً عن الأخر(1)
فالفنان المبدع لا يتقيد بشكل الإداة ومحدودية عطاءها وإنما يقوم بتطويعها كما تلهمه نفسه وتقتضي فكرة العمل الفني الذي يجوب في خاطره وتسري أفكاره في وجدانه .
إن التعرف الدقيق على الأداة إنما هو تحديث للعطاء التشكيلي وتقييم لدوائر الأداء والتقنية بما يدفع بالعمل الفني إلى مرتبة التميز، والإبداع الأدائي له وقع حركي ذاتي متألق كما أن له أيضاً وهج حسي شيق .
وقد أصبح حتمياً ضرورة البحث والمتابعة ودراسة عالم الجديد من الخامات والأدوات والملونات الطبيعية والصناعية لمواكبة التقدم السريع للتجربة المعملية واسعة الأبعاد ، أن المصانع مرتبطة بقدر آلي ورتابة منتظمة في تشكيل الخامات والأدوات ، بينما نجد أن الحركة الإنسانية حرة طليقة فالتماثل الآلي شبه مرفوض في منطق الإنسان فهو يبحث في كنه الأشياء ويفر من بلاده الآله ، وينفر من قيود التبعية والتقيد .
والآن وبعد أن سارت الأداة والخامة مسيرتهما عبر الزمان في رحلة طويلة مليئة بالتشويق والإثارة والجمال فإننا نجدهما قد خرجتا عن النطاق من الحيز الضيق إلى الانفتاح للامعقول وكل ما هو غريب وخارج عن المألوف ، فقد وجدنا في بضع حقب التاريخ التزاماً بتقاليد فنية تمثلت في إطار اللوحة ذات الشفافيات والأبعاد والنسب وتقنيات اللون التي تحددها الصورة الواقعية التي تقيد بها الفنان ردها طويلاً من الزمن وهو ما نتابعة في تقنيات كبار المصورين في القرون الوسطى
حتى جاءت الطفرات المتلاحقة عن طريق الفنانين المجددين فظهرت مدارس واتجاهات فنية جديدة تمثلت في التأثيرية والوحشية والتعبيرية وكل منها كان لها أسلوب في توظيف الأداة ووضع اللون على مسطح اللوحة ثم بدأ الفنان يرفض أي التزام بالواقع والصور الحسية فتجردت أعماله من الشكل واعتنى بالحركة الأدائية والتأثير البصري والهندسي وتأثير اللون والأداء .
لقد كان الخط الفاصل بين تطور التجسيم في المسطح وانفصاله عما سبقه يرتبط بشكل وطيد بأعمال الفنان ( بابلو بيكاسو ) الذي كون عملاً إنشائياً قائماً على الاتجاه التكعيبي يتكون من آله موسيقية مع إضافة خامات جديدة من المعادن والسلك دون أن يصل فيها إلى تجسيم كامل هذه المرحلة أكدت شخصية جديدة ونوعية مبتكرة من الفن(1) .
لقد خرجت الصورة المسطحة عن شكلها التقليدي وشملت فراغاتها بعض التجسيم والبروزات وتداخلت فنون الرسم والتصوير والنحت وأصبحت هناك حلولاً جديدة للوحة التصويرية ولم تعد مشكلة التشريح والنسب والأبعاد هي كل مايشغل المصور ويعمل على تحقيقه ، لقد أدى ولع الفنانين بالخامات والأدوات إلى الدرجة التي أصبحت فيها تلك المواد هي موضوع العمل التصويري ذاته(2) ، فأصبح ما يشغله هو اللون والمجسم الغائر والبارز باستخدام الخامات التقليدية وغير التقليدية ، وهنا اكتسب المسطح قيمة جديدة بجانب القيمة اللونية وأصبحت الفكرة مجسمة لها مضمون تشكيلي مختلف عن أسلوب السرد القصصي والصورة المرسومة فاستخدمت خامات رمزية لأفكار معينة وتوالفت في اللوحة لتعطي صدى آخر له وقع قد يكون أقوى وأكثر مجابهة وصرامة .
وكل هذه التغيرات كان لها حذورها السياسية والثقافية والاجتماعية وما صاحبها من تغيرات نفسية طرأت على الفنان . فاننا نجد أن المدرسة الدادية قد واكبت أحداث الحروب واعترضت على واقعها السلبي الذي إنعكس على الإنسان وقيمه وأعلنت التمرد على كل الأعراف عن طريق الصدمة والأعمال التي إتسمت بالتهكم والسخرية من القيم الفاسدة التي أشعلت الحرب .
ومن خلال البحث أيضا فانني أرصد أثر كل هذه الأحداث على نفسية الفنان واختياره لأدواته التي عن طريقها تمرد على ويلات الحروب وآثارها المدمرة ، وعبر عن مخاوفه وأفكاره .
ومن كل ما سبق فإن هذا البحث يتناول رصدا لتاريخ الثورة الدائمة والمستمرة على الأداة والخامة ومحاولة الفنان الدائمة في إكتشاف كل ماهو جديد ومتطور في هذين العنصرين الأساسيين في العمل الفني ."
بيانات الكاتب
