التناقـض الإجرائي دراسة مقارنة في نظرية الخصومة القضائية
رمضان إبراهيم عبد الكريم موسي عين شمس الحقوق المرافعات الدكتوراه 2003
ملخص الدراسة:
يعد الحكم القضائي عنواناً للحقيقة ، ويعتمد هذا الحكم لإصداره على مجموعة من الأعمال الإجرائية المتتابعة والتي تتكون من مجموعها الخصومة القضائية ويعد أمراً سيئاً بلا جدال أن يتناقض أي عمل من هذه الأعمال .
ولقد تم تقسيم البحث في هذا الموضوع إلى مقدمة وبابين وخاتمة : وتشتمل المقدمة على :
أهمية الموضوع ، وسبب اختياره ، وتحديد موضوع البحث .
وفى بابه الأول :
عرض البحث لحالات التناقض وآثاره ، وتتنوع حالات التناقض بتنوع الأعمال الإجرائية التي تتم داخل الخصومة القضائية ، فهناك تناقض الدعوى ، وتناقض الشهادة ، وتناقض تقرير الخبير ، وتناقض أسباب الحكم ، وتناقض الحكم ذاته ، ولن تؤتى هذه الأعمال الإجرائية ثمرتها إلا إذا خلت من هذا العيب ، الأمر الذى دعا التنظيمات القانونية المختلفة أن تعتد بهذا العيب وخطورته ، سواء في ذلك التنظيمات التي نصت صراحة على منعه من خلال شرط عدم التناقض كشرط لصحة الدعوى ، وذلك كالفقه الإسلامي والقانون الإنجليزي ، اللذين نصا صراحة على هذا الشرط ، أو تلك التي عرفته ضمناً من خلال التطبيقات القضائية المختلفة كالقانون المصري والفرنسي .
وأوضح البحث أن التناقض كما يعد عيباً في الدعوى ، فإنه يعد كذلك عيباً في الشهادة وفى تقرير الخبير ، ولا يختلف الوضع عنه في الأسباب التي يصيغها القاضي كمبرر لحكمه ، أو في المنطوق الذى ينطق به في صورة حكم يسدل به الستار على الدعوى .
وأوضحت الدراسة الأثر الخطير الناجم من التناقض فى الإجراء ، وعرضت لموقف التنظيمات القانونية المختلفة ، سواء التي نصت على منعه صراحة أو ضمناً ، والتي واجهته بجزاء يختلف باختلاف حالة التناقض ذاتها .
ففي نطاق الدعوى فإن الجزاء المرصود للتناقض فيها هو عدم سماعها وعدم قبولها وفى خصوص الدليل "" الشهادة أو التقرير "" يعد التناقض عيباً فيها يوجب بطلانها وردها ، وإن كان مرد ذلك إلى سلطة القاضي التقديرية ، فهو الذى يقدر قيمة الدليل ، وينزله المنزلة التي يراها .
وفى نطاق الحكم يعد التناقض فى الأسباب عيباً فيه يوجب بطلانه ، بل لقد عرضت الدراسة لموقف القضاء فى مصر وفرنسا فى هذا الصدد ، والذى عبر عن التناقض فى الأسباب بتعبيرات تعنى انعدامها ، أو تمحيها أو تهادمها أو تساقطها ، وهذا هو نفس الأثر المترتب حال تناقض المنطوق ، فالتناقض فى منطوق الحكم يعد عيباً فى المنطوق ، يتيح مكنة الطعن عليه تأسيساً على هذا السبب ، وإن اختلفت طرق الطعن تبعاً لاختلاف حالة التناقض ذاتها ، وما إذا كانت فى منطوق الحكم ذاته ، أو بينه وبين منطوق حكم آخر .
ويملك القاضي سلطة واسعة فى منع التناقض قبل إصداره لحكمه ، فيملك سلطة الحكم بعدم قبول الدعوى حال تناقضها . كما أنه هو الذى يصيغ أسباب الحكم ، فيجب أن تكون هذه الأسباب صحيحة غير متناقضة ، كما أنه يملك سلطة التعديل والتغيير فى الحكم بما يتفق مع المنطق والقانون حتى لحظة النطق بالحكم ، وبعد صدور الحكم يمتنع على القاضي التعديل أو التغيير فيه حتى ولو كان متناقضاً .
وليس معنى هذا أن يظل الحكم متناقضاً ، فالتناقض فى المنطوق أو بينه وبين منطوق آخر يعد عيباً فى الحكم يتيح مكنة الطعن عليه بطريق الطعن المناسب ، ولقد عرضت الدراسة لمسألة تكرار الحكم متناقضاً وأكدت على أن تكرار الحكم يعد عيباً بالإضافة لعيب التناقض ، وعرضت لآراء الفقه فى عيب التكرار فقط ، وهل يعد عيباً كالتناقض يمكن التمسك به كأساس للطعن أم لا ؟
وفى الباب الثاني :
عرض البحث لقواعد التناقض وأحكامه ، وأكد على أن التناقض باعتباره عيباً فى العمل الإجرائى بصفة عامة ، فإنه يجب منعه عن طريق رصد الوسائل اللازمة للوقاية منه قبل وقوعه ، أو علاجه بعد وقوعه ، وفى هذا الإطار قدمت الدراسة مبدأ يمكن الاستناد إليه – حال عدم النص – فى المنع من التناقض ، هو مبدأ عدم التناقض ، والذى حظى بإقرار صريح من جانب النظم التى أقرته كالفقه الإسلامى والقانون الإنجليزى ، أو من خلال التطبيقات القضائية فى النظم التى اعترفت به ضمناً كالقانون المصرى والفرنسى .
وفى خصوص الوسائل المرصودة للوقاية من التناقض أو علاجه بعد وقوعه عرض البحث للوسائل الوقائية والوسائل العلاجية .
فبالنسبة للوسائل الوقائية قدم البحث عددة وسائل يمكن من خلالها توقى التناقض ، منها إتاحة القانون لذوى الشأن تقديم طلبات عارضة "" إضافية أو مقابلة "" ، والاختصام والتدخل ومنها كذلك القواعد المتعلقة بوقف الدعوى وإحالتها وضمها ، وقد عرض البحث لهذه الوسائل بأسلوب مقارن بين القانونين المصري والفرنسي .
وانتهى البحث فى ذلك إلى قصور هذه الوسائل الوقائية فى المنع من التناقض ، فوقف الدعوى للفصل فى مسألة أولية يعد جوازياً للمحكمة ، وهو ما يضعف من دور هذه القاعدة فى منع تضارب الأحكام ، ولا يختلف الأمر عنه فى نظام الإحالة ، فالإحالة فى كلا القانونين تندرج ضمن الدفوع الشكلية ، يجب إبداؤها قبل أى طلب أو دفاع أو دفع بعدم القبول وإلا سقط الحق فى إبدائها .
ولقد أكدت هذه الدراسة على وجوب تعلق هذه القواعد بالنظام العام حتى يمكن إثارتها فى أى حالة كانت عليها الدعوى ، كما يمكن للقاضى أن يثيرها من تلقاء نفسه .
وفى خصوص حظر تكرار الدعوى والحكم أكدت الدراسة على أنه لن يكون للحل الذى قدمته المادة (116) من قانون المرافعات الفاعلية الكاملة إلا بالاعتراف بالحجية الكاملة للحكم منذ صدوره فى خصوص المسألة الأساسية والمتفرعة عن الدعوى .
وفى خصوص مراجعة الأحكام ، وتقييد سلطة القاضى فى مراجعة حكمه سواء بالتصحيح أو التفسير أو الإكمال أوضحت الدراسة أنه فى إتاحة القانون تعدد الطرق خاصة فى مجال تفسير
الأحكام ، ما يبعث على الخلط والإضطراب وتناقض الأحكام ، ولن يتبدد ذلك إلا بالاعتراف بأنه حال سلوك أحد الطريقين فإن ذلك يعنى انغلاق الطريق الآخر ، ونفس الأمر فى كل مرة يخير فيها القانون صاحب الشأن بين أمرين ، فقيام أحد الطريقين يسد الطريق الآخر .
ثم تطرقت الدراسة إلى القواعد الموضوعة لحل التنازع على الولاية فى مصر وفرنسا ، وأكدت فى هذا الشأن جدوى الحل الذى قدمه القانون الفرنسى فى هذا الشأن ، إذ تتصدى محكمة التنازع فى فرنسا للفصل مباشرة فى النزاع فى حالة التناقض المتعذر حله ، وهو ما لم يوجد بالنسبة للمحكمة الدستورية فى مصر .
ثم تطرقت الدراسة إلى الوسائل العلاجية لحل التناقض ، والتى نظمها قانون المرافعات المصرى بالمواد (222، 241/6 ، 249) وقانون المرافعات الفرنسى بالمواد (617 ، 618) وأوضحت الدراسة أن الطعن بالاستئناف يخضع له الحكم الابتدائى الذى تناقضت أجزاؤه
تطبيقاً للقواعد العامة ، أو التناقض بين حكمين على نحو ما ورد بالمادة 222 من قانون المرافعات المصرى ، غير أن هذه الوسيلة تبدو قاصرة فى حالة ما إذا كان الحكم اللاحق صادراً عن محاكم الدرجة الأولى فى غير حالات النصاب الانتهائى لهذه المحاكم .
وتطرقت الدراسة لبحث الوسيلة الثانية وهى الطعن بالالتماس والتى تبين عدم جدواها فى خصوص حكم محكمة الالتماس إذا تناقضت أجزاؤه ، أو الحكم الابتدائى المتناقض الذى استغلق ميعاد الطعن عليه بالاستئناف ويفضل فى هذا الشأن الحل الذى تبناه القضاء الفرنسى حيث فتح طريق الطعن بالنقض حيث تستغلق طرق الطعن الأخرى .
وأخيراً تطرقت الدراسة إلى الطعن بالنقض والذى عالجه القانون المصرى
بالمادة (249) مرافعات ، والقانون الفرنسى بالمادتين (617 ، 618) من قانون المرافعات . وأوضحت الدراسة أن التنظيم الفرنسى فى هذا الشأن أفضل حالاً من نظيره المصرى حيث جعل طريق الطعن بالنقض فى حالة التناقض التام تأسيساً على المادة (617) ، كما أنه فى حالة التناقض غير التام أو ما عبر عنه ذات القانون بالتنافر فإنه يمكن الطعن بالنقض تأسيساً على المادة (618) ، ولو بعد انقضاء المدة المقررة للطعن .
ويتسع الطعن بالنقض طبقاً لهذه المادة ليشمل جميع الحالات التى لم تشملها المادة (617) ، كما يشمل الحالات التى لا يشملها الطعن بالتماس إعادة النظر حال تناقض المنطوق ذاته . وعرض البحث لتطبيقات قضائية فى هذا الشأن . ويكون القانون الفرنسى قد سد جميع الحالات التى يمكن أن تكون أمثلة للتعارض فى الأحكام .
وفى خصوص ميعاد الطعن وتحريره من مدة معينة ، فهو وإن كان منتقداً من جانب الفقه الفرنسى ، إلا أننا رأينا أنه يفضل تقييد مدة الطعن بالنقض لتكون شهرين من تاريخ علم صاحب المصلحة بالتناقض .
وقد انتهى البحث بخاتمة ضمت ما تم التعرض عليه ، ثم التوصيات التي انتهت إليها الدراسة والتي تم الإشارة إليها إلماحاً خلال هذا الملخص
بيانات الكاتب
