الغموض عند رواد الشعر المعاصر في اليمن
عبد العزيز عقلان علي إسماعيل القاهرة ماجستير 2007
"استدعت قضية الغموض وعلاقاتها باللغة اهتمام القدامى والمحدثين من النقاد؛ لأنها تقع في صميم العلاقة بين الإبداع والتلقي من جهة إبلاغ المعنى وأداء الوظيفة الجمالية, وتحقيق القيم الفنية.
وحينما اتخذت الدراسة "" الغموض "" موضوعا لعملها سلكت في الواقع سبيلا تحفه المخاطر, وتشتبك فيه المفاهيم وتختلف الأفهام.
وإذا كان موضوع الغموض يعد إشكالية من الإشكاليات فإن الأمر يزداد إشكالا حينما يتعلق الدرس بالغموض الشعري عند رواد الشعر اليمني المعاصر ""إذ ظل اليمن في منطقة الظل سياسيا وأدبيا حتى عندما كانت تنشأ على أرضه نهضة فكرية كما حدث خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ومع ذلك بقى على هامش الثقافة العربية ""( ). ولم يتح لليمن أن تكون مركزا للثقافة العربية كدمشق وبغداد والقاهرة وبيروت , فظلت تعاني التهميش والتجاهل , والبحث يضطلع بمسؤولية الدرس والتحليل لأهم ظاهرة التصقت بالشعر اليمني المعاصر وبخاصة عند رواده , ألا وهي ظاهرة الغموض .
وقد دفعتني إلى دراسة هذه الظاهرة أسباب منها ما يأتي :
1ـ الرغبة في تقديم دراسة تطبيقية على المنجز الشعري الحداثي في اليمن في ظاهرة هي الأشد بروزا , وعند ثلاثة من الشعراء هم الأكثر إنتاجا وإبداعا , حيث تقوم هذه الدراسة بتتبع آليات القصيدة الحديثة وتقنياتها لدراسة هذه الظاهرة من خلال قراءة النصوص متوسلة بآليات المناهج الحديثة.
2ـ إيجاد صيغة مقبولة تبرز لظاهرة الغموض وجهها الإيجابي من خلال تقديم رؤية وسطية من ناحية , والتركيز على الجانب الفني ـ الذي سعت الدراسة إلى إبرازه من ناحية أخرى .
3ـ إبراز إسهام رواد الشعر اليمني المعاصر في رفد الاتجاه الشعري المعاصر بنتاجهم الإبداعي, وتفاعلهم مع معطياته, وقدرتهم على مواكبة تحولاته, مع تحقيق خصوصيته المحلية.
4ـ التفهم العميق لمدى الفراغ الكائن في المكتبة اليمنية, وربما العربية لدراسة تطبيقية تعالج ظاهرة الغموض , وتقدمها من خلال النصوص الإبداعية للشعراء المتميزين .
وتتناول هذه الدراسة ظاهرة "" الغموض عند رواد الشعر المعاصر في اليمن "" وتحديدا في الفترة الممتدة من قيام الثورة اليمنية في 1962م إلى نهاية القرن العشرين, ولا ريب أن عنوان الدراسة يتطلب استقصاء أوسع لعدد من الشعراء ممن تنطبق عليهم صفة الريادة, بيد أن الدراسة حصرت عملها في ثلاثة شعراء هم: عبد الله البردوني, وعبد العزيز المقالح, ولطفي جعفر أمان, حيث يمثل الغموض في شعر هؤلاء الثلاثة ظاهرة إيجابية, وحينما يتخذ الباحث من نصوصهم الشعرية متنا يقوم عليه اشتغال الدراسة فلا يعني ذلك تجاهلا لشعراء لهم مكانتهم الشعرية في اليمن وخارجها, ولا تقليلا من شأنهم. لكن طبيعة الدراسة ومراميها لا تستوعب الشعراء اليمنيين الرواد ذوي الاتجاه الحداثي كافة لكيلا تصاب بالتضخم المملول, أو التشعب الممقوت, وليست الدراسة قراءة للنتاج الشعري الكامل لهؤلاء الشعراء الثلاثة وإنما تحرك الباحث بحرية في انتخاب نماذجه واصطفائها بحسب ما تقتضيه طبيعة المفردات المدروسة.
وتجدر الإشارة أنه حين اقتضت طبيعة المفردات دراسة نصوص أكثر تمثيلا لها, أو شيوعا فيها لجأت الدراسة إلى آخرين ممن تنطبق عليهم صفة الريادة, ويقع إنتاجهم الشعري ضمن الإطار الزمني لهذه الدراسة, ولم يحصل ذلك إلا في ثلاثة مواطن: الأول: عند العامل الصوفي, دخل الشاعر شوقي شفيق ضمن الدراسة لكونه أكثر الشعراء الرواد في اليمن تأثرا بالفكر الصوفي منذ بداية إنتاجه الشعري, كما دخل في موطن آخر, وهو استخدام الكلمات الأجنبية, حيث كان أكثرهم انسياقا وراء استخدام الكلمات الأجنبية دون مبرر فني. والموطن الثالث والأخير عند دراسة العلاقات اللغوية دخل الشاعر عبد الودود سيف؛ لأنه كان أكثر انتهاكا للعلاقات اللغوية بلغة أكثر تهويما تنعدم فيها الرؤيا, وتدخل في حالة من التشتت والهذيان.
ويمكن الإشارة إلى أن الشعراء الثلاثة ( البردوني, والمقالح, وأمان ) أكثر الشعراء اليمنيين إنتاجا, فدواوين البردوني تبلغ اثني عشر ديوانا, وتزيد أعمال المقالح عن هذا العدد بثلاثة دواوين , أما لطفي جعفر أمان فليس له سوى خمسة دواوين ."
بيانات الكاتب
